عبدالناصر المودع
اليمن بعد خمسة أعوام من الحرب: سيناريوهات الاستقرار والفوضى
الاثنين 11 مايو 2020 الساعة 11:47

 

 

في عامي 2008 : 2009 كنت ضمن فريق بحثي برعاية مؤسسة فريدريش إيبرت الألمانية ومنتدى التنمية السياسية في اليمن، لوضع سيناريوهات لليمن عام 2020. وها هي سنة 2020 تقترب من منتصفها دون أن يصدق إي من السيناريوهات التي عرضها الفريق البحثي. وكان المحور الذي كُـلفت به يتعلق بسيناريوهات لعلاقة اليمن مع دول الخليج عام 2020، ورغم أن أحد السيناريوهات التي وضعتها كان متشائما؛ إلا أنه لم يصل إلى حد الاقتراب من تصور انخراط اليمن وبعض دول الخليج في حرب واسعة كما هو حاصل منذ مارس 2015، وحتى الآن.

السيناريوهات وكذلك ما يسمى بالدراسات المستقبلية، لا تستطيع التنبؤ بالمستقبل، فلو عدنا لجميع الدراسات المستقبلية لأكبر مراكز البحث والدراسة في الماضي حول القضايا التي توقعت بحدوثها لوجدناها في مجملها تنبؤات خاطئة، وأقل القليل منها صدقت في بعض جزئياتها.

ويرجع السبب في ذلك إلى حقيقة بسيطة وهي أن التاريخ البشري لا يتحرك في خط مستقيم في الغالب، وإنما في خطوط متعرجه، وفي بعض الأحيان يتحرك باتجاه الخلف في شكل أشبه بالوضع الدائري. وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى أن القرارات الإستراتيجية التي تُـحدث تغييرات واسعة في حياة البشر، يتم اتخاذها من صناع القرار، وفق تقييم ذاتي نابع من حدس شخصي، يكون في الغالب خليط من: الأوهام والأماني والمخاوف، والقليل من العقل والمنطق.

وينطبق هذا الأمر، تقريبا، على القرارات الاستراتيجية التي تتخذ في الدول المتخلفة والدول المتطورة أيضا؛ فالتاريخ الحديث أوضح لنا بأن عدد من القرارات الاستراتيجية التي اتخذها زعماء دول عظمى كانت قرارات سيئة ومن ذلك؛ حرب فيتنام من قبل أمريكا، وغزو أفغانستان من قبل الاتحاد السوفيتي، وغزو العراق وأفغانستان من قبل أمريكا، وحرب السويس من قبل فرنسا وبريطانيا؛ فكل تلك القرارات، تبين لاحقا بأنها كانت خاطئة من حيث الأهداف والتنفيذ، والنتائج التي ترتبت عليها.

وهذه الحقيقة تتناقض والمهووسين بنظرية المؤامرة، والذين يعتقدون بأن التاريخ يتحرك ضمن خطط محكمة يضعها مخططون بارعون ويتم تنفيذها بدقة متناهية من مؤسسات كفوءة، ويتخذها ساسة حكماء.

وما يهمنا من هذه المقدمة هو التأكيد على أن المستقبل يبقى غامضا، ولا يمكن التنبؤ بما سيحدث من قبل إي شخص أو مؤسسة بحثية. وفي هذا الصدد سأشير إلى تجربة شخصية مرتبطة بموضوع هذه الورقة؛ فقبل ما سمي "عاصفة الحزم" بساعتين تقريبا كنت مستضاف على أحد القنوات التلفزيونية التابعة للسعودية، وكان السؤال الذي وجه لي في تلك الليلة: هل تعتقد بأن دول الخليج ستستجيب لطلب الرئيس هادي وتتدخل عسكريا في اليمن؟ وكانت إجابتي بالنفي، وكنت مستندا في ذلك إلى حسابات عقلية ومنطقية تقول بإن دول الخليج ليست مؤهلة للفوز بمعركة كبيرة في اليمن، ولهذا فإنها لن تقدم على عمل كهذا.

ولكن ما حدث أن صناع القرار كان لهم رأي آخر، فقد شنوا الحرب في تلك الليلة إعتقادا منهم بأنهم قادرون على الفوز فيها بسريعة وبأقل الخسائر الممكنة. وذلك الاعتقاد، كان مبني على حدس خاص بهم، وكان بعيدا عن الحسابات المنطقية التي كانت تؤكد على صعوبة، إن لم يكن استحالة نجاح حرب خاطفة وسريعة في اليمن من قبل دول الخليج، أو ما سمي لاحقا بدول التحالف العربي.

 ولهذا؛ فإن هذه الدراسة، وإن كان موضوعها مستقبل اليمن، فإنها لا تدعي التنبؤ ولا تطمح في مخططا للمستقبل، كما قد يعتقد البعض، وإنما هدفها عرض السيناريوهات العديدة التي يمكن أن يمر بها اليمن فيكون أكثر استقرارا أو أشد فوضى مما هو عليه الآن. وبما أن الأمر على ما ذكرنا؛ فإن السيناريوهات المستعرضة ليست سوى تمارين ذهنية لصور متخيلة اُستلهمت عناصرها الأساسية من الأفكار والمشاريع المطروحة من بعض القوى السياسية ومن مراكز الأبحاث والكتَّاب والسياسيين اليمنيين وغير اليمنيين.

وللتوضيح أكثر، السيناريوهات في معناها العام هي أشبه بالمناورات، التي تقوم بها الجيوش، عبر خلق واقع افتراضي لمعارك متخيلة، وتمرين القوات العسكرية للتعامل معها، وبطبيعة الحال فإن من المستحيل أن تتطابق المناورات مع المعارك الحقيقية. والفائدة المرجوة من عرض السيناريوهات هي تقريب الأفكار والمشاريع المطروحة عبر تخيل حدوثها ومن ثم استيضاح صيرورتها ونتائجها على المستوى الذهني فقط.

 

وقبل البدء في استعراض هذه السيناريوهات يجب التنويه إلى أنها ارتكزت على معطيات الوضع اليمني دون الأثر الخاص بأزمة فيروس كورونا، حيث يصعب إدخال هذا العامل في الوقت الحالي كوننا نعيش في خضم الأزمة الناجمة عنه وهي لا تزال في طور التشكُّل.

من ناحية أخرى ينبغي التوضيح إلى أن مصطلح الاستقرار الذي نصف به بعض السيناريوهات الواردة في هذه الورقة لا يعني تحقيق السلام، كما قد يعتقد البعض، وإنما حالة أقل فوضوية من الحالة الراهنة، والتي قد تعني -كما سيتبين في بعض السيناريوهات- استقرارا عن طريق نظام أو أنظمة تقوم على القمع بعد تفكيك الدولة.

سيناريوهات الاستقرار

ما نقصده بالاستقرار في هذه السيناريوهات هو انخفاض وتيرة العنف، وسيطرة حكومة مركزية على كل اليمن أو حكومتين على دولتيه، ورفع الحصار عن المنافذ البحرية والجوية والبرية، وتحكم قوى محلية، معترف بها من قبل العالم الخارجي، بالشأن اليمني، فيما يعرف بحالة السيادة.

سيناريو التسوية:

يقوم هذا السيناريو على تشكيل سلطة لفترة انتقالية تضم جميع أطراف النزاع، وتشمل رئيس توافقي، أو نائب رئيس توافقي تنقل له صلاحيات رئيس الجمهورية كاملة، وتشكيل حكومة من جميع الفرقاء.

ووفقا لهذا السيناريو؛ يتم إعلان وقف شامل لإطلاق النار، وإبقاء خطوط المواجهات على ما هي عليه عشية الاتفاق، وتشكيل قوات مراقبة محلية من قوى لم تشارك في الحرب ومقبولة من جميع أطراف النزاع، يتم تطعيمها بمراقبين من دول أجنبية، أو الأمم المتحدة، للإشراف على تطبيق بنود التسوية وخاصة تلك المتعلقة بمراقبة وقف إطلاق النار، وتسليم السلاح من جميع الأطراف، وتشكيل جيش وطني وقوات أمن تتحمل مسئولية الأمن بديلا عن قوات الأطراف المتحاربة.

وبعد تشكيل هذه الحكومة، يرفع الحصار المفروض على اليمن وتلغى العقوبات المفروضة من قبل مجلس الأمن على عدد من الأشخاص المحسوبين على بعض أطراف النزاع، وينتهي التدخل العسكري الخارجي، ويحل "التحالف العربي" الذي تشكل بداية الحرب.

ويناط بالسلطة الانتقالية مهمة تطبيع الأوضاع، وخلق ظروف تسمح بإجراء حوار سياسي حول شكل الدولة والنظام السياسي الدائم لليمن، مستنيرين بنتائج الحوارات السابقة وتحديدا مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في شهر مارس 2013، واختتم أعماله في يناير 2014. على أن تنتهي المرحلة الانتقالية بانبثاق سلطة شرعية لليمن بواسطة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

السيناريو المذكور هو تجميع للأفكار التي طرحها المبعوثان الأمميان لليمن منذ بداية الحرب، وكذلك الدبلوماسيون الأجانب، ومراكز الأبحاث والدراسات، وعدد من السياسيين وأصحاب الرأي من اليمنيين، وغير اليمنيين. وخلال المفاوضات التي تمت تحت إشراف الأمم المتحدة، وبالتحديد في مفاوضات الكويت التي عقدت في 2016 واستمرت أكثر من 100 يوم، لم تخرج الأفكار والمقترحات المتداولة حينها، في عموميتها، عن ما ذكرناه في هذا السيناريو (1).

وحتى الوقت الحالي فإن الأفكار المطروحة للتسوية السياسية تدور في نفس الإطار، ويرجع السبب في ذلك إلى بساطة هذه الأفكار ووضوحها، وواقعيتها، حيث يرى من يطرحها بأنها تتعامل مع أطراف الصراع بالتساوي ولا تقصي أحد منهم. كما أنها تستهدي بالمبادرة الخليجية التي نزعت فتيل الصراع الدموي الذي كان ماثلا في عام 2011، وحققت سلاما نسبيا في المرحلة اللاحقة ساعد على عقد مؤتمر الحوار الوطني وكتابة مسودة دستور جديد للدولة. بالإضافة إلى ذلك؛ يعتقد من يروج لهذه التسوية بأنها تمثل مخرج ملائم للسعودية كي تخرج من المأزق الذي وضعت نفسها فيه والمستنقع الذي يستنزفها ماليا وسياسيا.

ومع ذلك؛ هناك معوقات جوهرية تقف أمام تحقق هذا السيناريو يمكن تلخيصها في النقاط التالية:

●          أطراف الحرب الرئيسية في اليمن، هي في جوهرها حركات شمولية دينية (الحوثيون ، حزب الإصلاح ، السلفيون) وحركات من هذا النوع خياراتها صفرية في الغالب، فعدائها لبعضها البعض أيديولوجي/ديني لا تقبل التسويات التي تقوم على الحلول الوسط، وتنعدم الثقة فيما بينها ويصعب وضعها ضمن نظام تعددي أو محاصصة سياسية مستقرة.

●          الجماعات المطالبة بانفصال المحافظات الجنوبية، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، يقوم مشروعها على إلغاء الوحدة اليمنية وعودة دولتي اليمن السابقتين، وهو بهذه المطالب لن يكون مهتما، أو قادرا على الدخول في سلطة الجمهورية اليمنية.

●          لا يمكن قياس هذه التسوية بظروف نجاح المبادرة الخليجية؛ فطبيعة الصراع حينها كان منحصرا بين أطراف محلية صرفة، وكان محور الصراع يتركز حول خروج الرئيس السابق صالح وإدخال إصلاحات في النظام السياسي، وهي أمور أسهل بما لا يقاس وطبيعة الصراعات الحالية. كما أن  المبادرة الخليجية تمت في ظل مؤسسات دولة قائمة كانت تسيطر بشكل شبه كامل على كل مناطق الدولة ومؤسساتها تقريبا؛ فيما الوضع الحالي يشهد تدخل خارجي كثيف، وتفكك في المؤسسات وتقاسم النفوذ والسلطة بين أطراف داخلية وخارجية عديدة لها أجندات متباينة، ولهذا كله فإن من الصعب تكرار نموذج المبادرة الخليجية في المستقبل.

●          ليس هناك من مؤسسات عسكرية ذات طابع وطني يمكن لأطراف النزاع الاحتكام لها وتسليمها أسلحتها، ومنحها صلاحية حفظ الأمن. فالقوات العسكرية، والأمنية في مناطق سيطرة الحوثيين أصبحت عمليا أقرب لميلشيا خاصة بهم. وبالمثل، تقريبا، جميع القوات العسكرية والأمنية في الجانب الأخر، هي أقرب ما تكون بقوات حزبية أو جهوية أو شخصية؛ فهي في حقيقتها قوات مقسمة بين حزب الإصلاح، والمؤتمر، وبين الجماعات الانفصالية والجهوية والسلفية، وبعض شيوخ القبائل وغيرهم.

ووفقا لذلك؛ فلا وجود لجيش وطني حقيقي يمكن أن تقبل أطراف النزاع تسليم السلاح له أو الاندماج فيه. كما أن من الصعب تشكيل جيش وقوات أمن وطنية جديدة، عبر دمج قوات الأطراف المتناحرة، فأمر من هذا القبيل يتنافى والمنطق السياسي البسيط. ومن خلال التجربة الحديثة، لم تستطع السعودية دمج قوات المجلس الانتقالي مع قوات خصومه ضمن تشكيلات الجيش وقوات الأمن في مناطق الجنوب، وفق “اتفاق الرياض” رغم النفوذ السعودي القوى على جميع الأطراف (2).

●          التسويات الشبيهة التي نجحت في بعض الدول بعد الحروب الأهلية، كان من أسباب نجاحها وجود قوة خارجية فرضت التسوية على الجميع أو انحازت لبعض الأطراف، كما حدث في لبنان بعد اتفاقية الطائف، والتي فرضتها سوريا عبر أجهزتها الخشنة والناعمة، وبغطاء إقليمي ودولي. وفي اليمن يستحيل تشكيل قوات تابعة للأمم المتحدة، أو متعددة الجنسيات أو غيرها، وفق المعطيات الراهنة على الأقل، تتولى نزع الأسلحة وتنفيذ بنود تسوية كهذه.

●          تسوية من هذا القبيل تعني تثبيت الأمر الواقع وهذا يعني بأن الأطراف القوية على الأرض هي من ستستفيد منها، ولكون الحركة الحوثية هي الطرف الحاكم على أكثر من 70% من سكان الدولة ولديها قيادة مركزية وتنظيم صارم، ونواة صلبة، وتمارس سلطاتها عبر مؤسسات الدولة اليمنية التي سيطرت عليها؛ فإن التسوية، وفق هذا السيناريو، ستصب في صالحها، وستكون بمثابة اعتراف لها بالنصر وهزيمة لخصومها. كما أنها ستؤدي إلى سيطرة الحوثيين على مناطق جديدة بعد أن تتوقف الضربات الجوية ويُحل "التحالف العربي". بمعنى أخر لن يلتزم الحوثيون بإي اتفاقية وهم قادرون على السيطرة على مناطق جديدة، ولن تُـعدم الأسباب والمبررات التي سيسوقونها لقيامهم بذلك الفعل.

ونتيجة لذلك؛ فإن المملكة السعودية والأطراف المعادية للحوثيين سترى في التسوية، وفق هذا السيناريو، اعترافا بالهزيمة وتسليما لليمن أو معظم مناطقه للحوثيين. وعليه فإن هذه الأطراف لن تقبل بتسوية تقوم على هذا السيناريو، في الوقت الحالي أو المستقبل المنظور على الأقل.

●          بحكم أن الأطراف المتصارعة تسيطر على جزء من مناطق اليمن سياسيا وعسكريا فإن من الصعب على إي منها أن يتخلى عن مناطق نفوذه طواعية، وتزودنا الخبرة التاريخية الحية بالدليل على صعوبة حدوث ذلك في اليمن أو غير اليمن.

●          تباين الأجندات للدول التي تتدخل في الشأن اليمني، كالسعودية وإيران، والإمارات، وغيرها من الدول، والتي ستقف ضد أي تسوية لا تحقق أهدافها. ومن الصعب وفق الظروف الإقليمية والدولية الراهنة، توافق هذه الدول على مشروع تسوية استنادا إلى هذا السيناريو، أو غيره.

والخلاصة أن هذا السيناريو يصعب تخيل حدوثه، وسيبقى في خانة التمنيات لدى البعض، وحتى لو تم العمل به؛ فإن فرصته في الصمود، ومن ثم خلق الاستقرار في اليمن، ضعيفة جدا، إذ أن من المحتمل ألا يُـنفذ حتى لو وقعت أطراف الصراع عليه تحت الضغط الداخلي والخارجي.

       سيناريو انتصار الحوثيين:

يقوم هذا السيناريو على أساس أن تستقر اليمن نسبيا ويتراجع العنف والفوضى، وتنتهي الحرب، بصيغتها الحالية في حال سيطر الحوثيون على كل اليمن أو معظم المناطق الإستراتيجية منه، وأن يحصلوا تبعا لذلك، على اعتراف العالم الخارجي بهم كسلطة شرعية على كل اليمن أو جزء منه. 

ولهذا السيناريو أكثر من وسيلة للحدوث منها: وصول الحكومة السعودية إلى قناعة بعدم جدوى استمرار الحرب، لتكلفتها الباهظة اقتصاديا وسياسيا ومعنويا، ومن ثم اتخاذ القرار بوقف الحرب عبر اتفاق مع الحوثيين. ويشمل هذا الاتفاق الاعتراف بهم كسلطة حاكمة لليمن، في مقابل تحقيق جزء من أهداف الحرب. ومن ذلك: امتناع الحوثيين عن مهاجمة الأراضي السعودية، والدخول مع السعودية في علاقة ودية، وقطع علاقتهم مع إيران، أو فض التحالف معها.

والوسيلة الثانية قد تتم بعد أن يتمكن الحوثيون من السيطرة على مناطق استراتيجية جديدة، كمحافظة مأرب والجوف ومناطق الساحل الغربي، وبقية محافظة تعز، وهو ما قد يدفع السعودية للتوقف عن الاستمرار في "حرب خاسرة" والقبول بالحوثيين كأمر واقع. ومن ثم؛ الدخول معهم في ترتيبات تضمن أمن الحدود بين مناطق سيطرة الحوثيين والسعودية. وقبول الحوثيون باتفاقيات الحدود التي أبرمت مع الرئيس السابق علي صالح، وغيرها من القضايا التي قد يقبل الحوثيين بها مقابل اعتراف السعودية بهم وإنهاء الحرب.

وتبدو هذه الوسيلة هي الأقرب للحدوث، ضمن هذا السيناريو، بالنظر إلى الوضع العام للحوثيين عسكريا وسياسيا. فالحوثيون تمكنوا من الصمود خلال السنوات الأولى للحرب، وتحولوا إلى الهجوم في السنوات الأخيرة، وتمكنوا، بدعم إيراني، من أذية السعودية بضرب مدنها الرئيسية، ومنشآتها الحيوية بالصواريخ البالستية، والطائرات المسيرة. وهم بذلك شكلوا إزعاجا وإحراجا للسعودية، وغيروا من قواعد اللعبة وطبيعة الحرب.

وسيتحقق هذا السيناريو في حال أكمل الحوثيون سيطرتهم على مأرب والجوف والساحل الغربي والجزء المتبقي من محافظة تعز.

وعلى الرغم من أن هذا السيناريو لا يُـطرح بشكل علني؛ إلا أن بعض الدبلوماسيين الغربيين وعدد من مراكز الأبحاث تتوقع حدوثه، كما أن بعض الأطراف داخل السلطة الحاكمة السعودية ممن عارضوا الحرب في اليمن يرونه مخرجا من الحرب الباهظة الكلفة على الدولة السعودية وتحديدا على اقتصادها.

ويمكن التخمين بأن الإمارات قد تؤيد هذا السيناريو لأنها ترى فيه الحل الأقل سوءا لتحقيق مصالحها في اليمن. فانتصار الحوثيون سيؤدي عمليا إلى إضعاف حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون) والذي تعتبره الإمارات العدو الأول لها في المنطقة. فوفق هذا السيناريو، خاصة في حال اقتصر انتصار الحوثيين على المحافظات الشمالية، فإنه يعتبر بالنسبة للإمارات وحليفها المجلس الانتقالي الجنوبي، حلا مثاليا كونه سيؤدي عمليا إلى إضعاف حزب الإصلاح في اليمن. فالإصلاح، وفق هذا السيناريو، سيفقد وجوده الفعلي في المناطق الشمالية لصالح الحوثيين، وهي معقله الرئيسي ومركز ثقله السياسي والعسكري. وفي الجنوب سيتم ضربه من قبل القوى الانفصالية بدعم من الإمارات.

إضافة إلى ذلك، هناك من يرى في دوائر صنع القرار في الدول الغربية وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية أن من الأفضل لأمريكا تمكين الحوثيين من حكم اليمن أو أجزاء منه لكونهم من سيتولى ضرب التنظيمات الإرهابية (القاعدة ، داعش) لتناقضهم المذهبي. وما يعزز وجهة النظر هذه غياب نشاط التنظيمين في مناطق سيطرة الحوثيين.

وفي كل الأحوال؛ يمكن القول أن كثيرا من دوائر صنع القرار في الدول الغربية، ومراكز الأبحاث، لا ترى في حكم الحوثيين لليمن مشكلة كبيرة، والمشكلة الكبيرة لديهم في هذا الشأن تتعلق بعلاقة الحوثيين بإيران، وهي العلاقة التي يدعي الحوثيون بأنها علاقة مصالح وليست علاقة عضوية؛ فهؤلاء يتحدثون، وخاصة أثناء لقاءاتهم مع الدبلوماسيين الغربيين، بأنهم مستعدون لفك تحالفهم مع إيران في حال تم الاعتراف بهم من قبل السعودية والعالم وتوقفت الحرب ضدهم.

هناك أكثر من عامل سيساهم في تحقق هذا السيناريو أهمها:

●          حدوث تغير جذري في سياسة السعودية من الحرب في اليمن، وهو التغير الذي قد يتم من قبل السلطة الحالية التي يديرها الأمير محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للسعودية، والذي يقف خلف شن الحرب. ضمن عملية مراجعة جذرية لسياسته السابقة نتيجة ضغوط داخلية سياسية/اقتصادية، وضغوط خارجية.

أو أن هذا الأمر قد يأتي في حال وصول قيادة جديدة في السعودية لها وجهة نظر مختلفة في التعامل مع أحداث اليمن والتخلص مما يعتبره الكثيرون المستنقع اليمني الباهظ الكلفة.

●          حدوث ضغط خارجي من الدول الغربية وتحديدا من الولايات المتحدة على السعودية لإنهاء الحرب، والتي لا تحظى بشعبية في هذه الدول، فمعظم السياسيين الغربيين، والإعلام الغربي يصف هذه الحرب بالكارثة وبالخطأ الاستراتيجي الذي يجب أن يُصحح. خاصة وأنها تسبب لهم إحراجا، بسبب الخسائر في صفوف المدنيين، والكارثة الإنسانية التي خلفتها، كونهم من يمد السعودية والإمارات بالأسلحة ويوفر لهما الغطاء السياسي. وقد يتم هذا الضغط بشكل أكبر في حال وصول قيادة ديمقراطية للبيت الأبيض.

في مقابل ذلك؛ هناك عقبات رئيسية أمام تحقق هذا السيناريو أهمها صمود القوى المعارضة للحوثيين وحدوث تغيير في قيادة الشرعية، يجعلها أكثر فاعلية وقدرة في تجميع القوى اليمنية المعارضة للحوثيين وإحداث اختراقات إستراتيجية في أكثر من جبهة.

يضاف إلى ذلك ضعف المشروع السياسي للحوثيين والذي ترفضه معظم القوى السياسية اليمنية، والكثير من المواطنين اليمنيين، وخاصة في المناطق غير الزيدية في شرق وجنوب اليمن، والذي يعني مقاومة الحوثيين ومنعهم من حكم اليمن ومن ثم حرمانهم من الاعتراف الخارجي.

إلى جانب ذلك، يعيق تنفيذ هذا السيناريو، رفض بعض دوائر الحكم السعودي فكرة القبول بحكم الحوثيين لليمن، أو أجزاء منه تحت أي ظرف، بسبب الاختلاف المذهبي، ولكونهم حلفاء لإيران وأحد أدواتها في أذية السعودية، وهو ما يعتبر من وجهة نظر هذه الدوائر، خطرا وجوديا يهدد أمن السعودية وربما بقائها كدولة. فهذه الدوائر على يقين بأن طموحات الحوثيين وخططهم، والتي تنتشر في أدبياتهم، تتجاوز اليمن وتعتبر السعودية وجهتهم القادمة في حال استقر لهم الحال في اليمن، بالتنسيق مع النظام الإيراني، الذي يعتبر السعودية الخصم الرئيسي له في المنطقة والعقبة الرئيسية أمام طموحاته في السيطرة عليها.

سيناريو الانفصال:

يعد هذا السيناريو امتداد للسيناريو السابق، ووفقا لهذا السيناريو فإن اليمن سيتم إعادة تقسيمه كما كان قبل الوحدة إلى دولتين؛ في الشمال حكومة للحوثيين، وفي الجنوب حكومة تحت الوصاية السعودية المنفردة أو بالشراكة مع الإمارات. وهذا السيناريو يطرحه الانفصاليون بشكل مباشر وغير مباشر، فوفقا لهؤلاء فإن مشكلة اليمن الأصلية تتمثل في قيام الوحدة، التي يرون بأنها لم تقم على أسس صحيحة، وأن من الأفضل لليمن والمنطقة إعادة تقسيم اليمن إلى دولتين كما كانتا قبل إعلان الوحدة عام 1990.

وعلى الرغم من أن معظم القوى الانفصالية قد حاربت الحوثيين حينما كانوا في المحافظات الجنوبية؛ إلا أنهم لا يرغبون في هزيمتهم الكاملة؛ لأنهم يعتقدون بأنهم الطرف الشمالي السياسي الأكثر قبولا للانفصال. يضاف إلى ذلك إدراكهم بأن هزيمة الحوثيين، في حال حدوثها، ستتم في الغالب على يد قوة لها توجهات وحدوية، أكثر من الحوثيين، كحزب الإصلاح أو المؤتمر أو كليهما، والذين سيتحركون بعد هزيمة الحوثيين ضد المشروع الانفصالي في الجنوب.

ويستند الانفصاليون في استنتاجاتهم هذه، إلى مواقف الحوثيين السابقة للحرب وكذلك مواقفهم الحالية فيما يتعلق بالمشروع الانفصالي، فحين كان الحوثيون في مواجهات عسكرية مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح قبل 2011، كان هناك تعاطف وتحالف ضمني بين الفريقين، وكانت إيران، التي دعمت الطرفين في ذلك الوقت، تنسق بينهما (3). وكانت وجهة نظر الحوثيين حينها أن الجنوب ظُلم على يد الرئيس السابق وحزب الإصلاح بعد هزيمة الانفصاليين في حرب 1994، وأن من حق الجنوبيين أن يحصلوا على حقوقهم، وأنهم سيدعمون ما يريده الجنوبيين. ومن بعد ذلك التاريخ؛ لم يغير الحوثيون من خطابهم تجاه موضوع الانفصال كثيرا، واستمروا في ترديد خطاب مبهم يفهم بأكثر من معنى.

وكما يلاحظ فإن الحوثيين تجنبوا سابقا وحتى الآن معارضة المشروع الانفصالي بشكل واضح ومباشر، وفي نفس الوقت تجنبوا أيضا تأييد الانفصال بشكل صريح، وفضلوا سياسة الغموض في هذا الشأن.

ويمكن قراءة الموقف الحوثي من أكثر من زاوية؛ فإلى جانب التقاء الطرفين على أرضية العداء لنظام الرئيس السابق صالح وحزب الإصلاح، هناك أكثر من سبب يجعل الحوثيين أقل القوى السياسية الشمالية اهتماما بالوحدة أهمها:

●          أن الحوثيين في جوهرهم امتداد لدولة الأئمة التي كان مركز ثقلها المناطق الشمالية، ومن ثم فإنهم يفضلون، على الأقل في المرحلة الأولى، الفوز بحكم الشمال كونه المجال الجغرافي لحكم الأئمة تاريخيا.

●          كون سكان الجنوب يتبعون بشكل كامل، تقريبا، المذهب السني؛ فإن من مصلحة الحوثيين إبقاء هذه الكتلة السكانية خارج سيطرتهم، والاكتفاء بحكم الشمال الذي يشكل المنتمون تاريخيا للمذهب الزيدي ما نسبته 40% تقريبا من سكان الشمال، واستمرار الوحدة يعني بأن هذه النسبة قد تنخفض إلى ما دون 25%، ولهذا فإن من مصلحتهم انفصال الجنوب، والاكتفاء بالشمال، بدلا من محاولة السيطرة على الجنوب الذي يرفضهم لأنهم مختلفين عنه مذهبيا، ولأنهم شماليين ايضا.

وبما أن الأمر على ما ذكرنا؛ فإن هناك تناغما ضمنيا بين المشروع الحوثي والمشروع الانفصالي، ووفقا لذلك؛ يتحدث الانفصاليون عن أن الشمال أصبح محكوما من الحوثيين، وأن الشماليين غير جادين في محاربة الحوثيين لأنهم لا يمانعون في أن يحكمهم. ويطالبون السعودية أن تتعامل مع هذا الأمر كحقيقة واقعة وتقوم بدعم قيام دولة في الجنوب وأن تعترف بالحوثيين في الشمال، أو تقوم بإجراء حوار بين القوى الشمالية والحوثيين لإنهاء الحرب هناك.

ويرى الانفصاليون ومن ورائهم الإمارات، كما يبدو، بأن إقامة دولة في الجنوب يحقق للسعودية ودول الخليج أكثر من هدف أهمها:

●          إبقاء الجنوب بعيدا عن النفوذ الحوثي/ الإيراني، بعد أن يصبح دولة مستقلة، وأن تكون هذه الدولة تحت الرعاية السعودية/الإماراتية لإضعاف الحوثيين وجعلهم غير قادرين على ضم كل اليمن ومن ثم محاربة السعودية بموارد وإمكانيات الدولة اليمنية الواحدة.

●          انفصال الجنوب والسيطرة عليه سيكون أهم الأهداف التي تحققت من هذه الحرب، لأن الجنوب إلى جانب أنه سيشكل حائط صد يمنع الحوثي من التمدد في الجنوب السني، ومن ثم؛ سيشكل منطقة عازلة تمنع الحوثيين من أذية السعودية ومحاربتها.

●          يعتقد الانفصاليون أن موقع الجنوب بمساحته التي تمثل ثلثي مساحة اليمن، وشواطئه المطلة على مضيق باب المندب وخليج عدن والبحر العربي، هو أكثر أهمية استراتيجيا من بقية اليمن، وأن هذا الوضع يتطلب من السعودية فصل الجنوب وإبقائه ضمن مناطق نفوذها، بدلا من أن يبقى ضمن اليمن الواحد الذي هو خطر استراتيجي على السعودية، وفقا لهذا الاعتقاد.

ومن الجدير بالذكر؛ أن هذه الأفكار تجد لها صدى داخل بعض أجنحة الطبقة الحاكمة السعودية، والتي كانت معارضة لقيام الوحدة في اليمن، ودعمت المحاولة الانفصالية في عام 1994 (4). وما يؤكد ذلك الموقف المتراخي للسعودية حين قامت الإمارات برعاية المشروع الانفصالي، وقبولها دمج القوى الانفصالية ضمن السلطة الشرعية لليمن فيما يعرف باتفاق الرياض الذي وقع في 5 نوفمبر 2019.  

ومع ذلك؛ من غير المرجح أن يقبل الحوثيون عملية الانفصال بسهولة، وسيلجئون إلى سياستهم وتكتيكاتهم التي يتبعونها من خلال سياسة الغموض تجاه الانفصال، عبر إطلاق التصريحات التي تقرأ بأكثر من لغة، من قبيل الحديث عن المحافظة على وحدة اليمن وفي نفس الوقت الحديث عن عدم وقوفهم أمام خيارات الجنوبيين.

وفي كل الأحوال فإن هذا السيناريو تعترضه عدد من الصعاب أهمها:

●          تفكيك الجمهورية اليمنية من قبل السعودية والإمارات سيكون محل رفض كبير من قبل اليمنيين وخاصة في المناطق الشمالية، وسيستغله الحوثيون وخصوم السعودية لتأليب العداء تجاهها. كما أن السعودية لن تجد حججا كافية لتبرير عملية تقسيم اليمن، كما أنه سيزيد من حالة العداء لها في المنطقة العربية والعالم.

●          تفكيك الجمهورية اليمنية يتعارض مع القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي المتعلقة باليمن والتي تؤكد جميعها منذ 2011 على وحدة اليمن وسلامة أراضيه، ولن يكون من السهل على السعودية أن تحصل على دعم دولي لتقسيم اليمن.

●          افتقاد الجنوب الوحدة والانسجام نتيجة هشاشة الهوية السياسية للجنوب وغلبة النزعة المناطقية لدى مواطنيه ونخبه السياسية، يمنع الانفصاليين من تشكيل قيادة واحدة لإدارة الدولة التي يطمحون لها، وهو الأمر الذي سيجعل السعودية والإمارات، في حال شاركتها الوصاية على الدولة المقترحة، يغرقون في الصراعات الجنوبية. وهو ما سيوفر لأطراف يمنية وغير يمنية فرصة دعم حركات مقاومة للنفوذ السعودي في مناطق الجنوب، على غرار ما يحدث حاليا في محافظة المهرة.

●          رغم أهمية المناطق الجنوبية من الناحية الجغرافية إلا أن التهديد الرئيسي للسعودية يأتي من المناطق الشمالية، والتي تشترك معها في حدود جبلية معقدة يصعب السيطرة عليها، إضافة إلى الكثافة السكانية الهائلة في الشمال والذي يزيد عن 80% من عدد سكان اليمن (24 مليون نسمة حاليا). وتفكيك اليمن لن يحل للسعودية مشاكلها مع اليمن بل من المتوقع أن تزداد هذه المشاكل.

فعلى افتراض تم فصل الجنوب؛ فإن المشاكل الاقتصادية التي ستحدث في مناطق اليمن، وتحديدا في الشمال ستكون هائلة، وسيتم تحميل السعودية مسئوليتها كونها من شنت الحرب عليه، ودمرت اقتصاده، وحرمت الشمال من موارد الجنوب، ولهذا فإن من المتوقع أن يتم تصريف الغضب والإحباط الداخلي في الشمال، وربما في الجنوب تجاه السعودية، عبر صراع جديد شامل معها تحت حجج كثيرة منها: سيطرة السعودية على مناطق نجران وعسير التي يعتبرها الكثير من اليمنيين مناطق يمنية، ومطالبة السعودية بالتعويض عن خسائر الحرب.

●          كما أن السعودية بدعمها لانفصال الجنوب ستفتح الباب أمام قوى يمنية تتنصل من اتفاقية الحدود التي أبرمت مع السعودية عام 2000 ورسمت الحدود بينهما، كون تلك الاتفاقية تمت مع الجمهورية اليمنية التي ساهمت في تدميرها في حال سعت لتحقيق هذا السيناريو. 

●          لن يكون من السهل على الانفصاليين حكم مناطقهم دون دعم عسكري واقتصادي وسياسي خارجي، وبالتحديد سعودي، وهذا الدعم قد لا يقتصر على وجود عسكري في الدولة الجديدة بل مواجهة حرب عصابات تشنها أطراف معارضة لتقسيم اليمن أو الوجود السعودي بشكل عام. ووفقا لذلك؛ فإن قرار تقسيم اليمن سيفتح على السعودية حروب جديدة بصيغ مختلفة عن الصيغة الحالية. وقد تكون أسوأ من الحرب الحالية.

سيناريو اليمن الاتحادي:

منذ سقوط نظام الرئيس صالح ارتفعت الأصوات المنادية بتغيير شكل الدولة اليمنية من دولة بسيطة إلى دولة مركبة اتحادية. وكانت المبررات التي تقف خلف هذه الدعوات تتمثل في أن الدولة الاتحادية ستضعف الدعوات المطالبة بانفصال الجنوب، وستحل مشكلة المركزية السياسية والمالية والإدارية، والتي يرى أنصار الفدرالية أنها تمثل جوهر المشكلة اليمنية.

وقد منح هذه الأفكار الزخم؛ وصول رئيس جنوبي للسلطة، والذي جعله منحازا إلى الفكرة كونها ستمنح الجنوبيين قدرا أكبر من السلطة وسيطرة أكبر على مناطقهم ومواردها، وتخلق توازن يحد من التفوق السكاني للشماليين مقابل الجنوبيين، وبالإضافة إلى ذلك؛ وجدت فكرة الدولة الاتحادية صدى لدى عدد كبير من النخب السياسية الشمالية التي لا تنتمي لمنطقة الهضبة العليا، والتي يعتقدون أن سكانها يهيمنون على السلطة منذ نظام علي صالح والأنظمة التي سبقته، وتحديدًا منذ أن تأسست الدولة في شمال اليمن عقب خروج العثمانيين بعد الحرب العالمية الأولى.

فخلال تلك الفترة سيطر السكان المنحدرين من تلك المنطقة على السلطة، وبالذات على المؤسسات الخشنة (الجيش ، الأمن) وأصبحوا عمليا هم الطبقة الحاكمة خلال الحكم الإمامي والجمهوري في شمال اليمن قبل الوحدة، وفي دولة الوحدة بعد حرب 1994.

ووفقا لذلك تم العمل من قبل كل تلك الأطراف، على تبني الفدرالية في مؤتمر الحوار الوطني، وتم في وقت لاحق تحديد عدد أقاليم الدولة الاتحادية المخطط لها بـستة أقاليم، وتم تأكيده في مشروع الدستور الدائم لليمن، والذي تم استكمال كتابته قبل أشهر من الحرب.

ومنذ انتهاء مؤتمر الحوار دفع المبعوث الدولي وسفراء الدول الكبرى مجلس الأمن لتأييد الدولة الاتحادية، وبعد الحرب تم تبني صيغة محددة من قبل "دول التحالف" والدول الداعمة لها تعتبر مخرجات مؤتمر الحوار، والتي تنص على الدولة الاتحادية مرجعية لأي حوار وتسوية تنبثق عنه.

وسيناريو الدولة الاتحادية يعني استكمال المرحلة الانتقالية من نقطة توقفها في 2015 قبل الحرب، عبر إجراء الاستفتاء على الدستور، ويعقب ذلك إجراء انتخابات برلمانية ومحلية، وتقسيم الدولة إلى 6 أقاليم، ثم إجراء انتخابات رئاسية تنتهي حينها المرحلة الانتقالية وتبدأ المرحلة الدائمة.

ويتبنى الرئيس هادي مشروع الدولة الاتحادية بكل قوة لأنه يمنحه المبرر للاستمرار في السلطة، حتى انتهاء "الفترة الانتقالية" وفق المبادرة الخليجية، ويقطع الطريق أمام الأفكار الأخرى المطرحة للحل من قبيل استبداله برئيس جديد أو تفويضه السلطة لنائب رئيس توافقي وإجراء حوار جديد في المرحلة الانتقالية الثانية، والتي أشرنا لها في سيناريو التسوية.

وإلى جانب الرئيس هادي أصبح حزب الإصلاح وبعض الأحزاب الصغيرة المنضوية في حكومة هادي متمسكة بخيار الدولة الاتحادية ورافضة لأي حلول خارج هذا الحل.

من جهة أخرى يرفض الحوثيون بشكل مباشر أو غير مباشر صيغة الدولة الاتحادية وتحديدا فكرة تقسيم اليمن إلى ستة أقاليم، ويعتبرونها جزء من مؤامرة تمزيق وتقسيم اليمن، وهو الموقف الذي كان يعبر عنه الرئيس السابق علي صالح بوضوح، حيث كان يرفض فكرة الفدرالية والدولة الاتحادية بأي صيغة كانت. وإلى جانب هؤلاء ترفض القوى الانفصالية وتحديدا المجلس الانتقالي فكرة الدولة الاتحادية وترى فيها مؤامرة وعملية التفافية لحرمان الجنوبيين مما يعتبرونه حقهم في تقرير مصيرهم، كونه سيؤبد دولة الوحدة ويلغي فكرة الانفصال بشكل نهائي.

ولتنفيذ سيناريو الدولة الاتحادية يتطلب الأمر انتصار شامل ونهائي للرئيس هادي والتحالف الحاكم المكون بشكل رئيس من حزب الإصلاح وبعض الأحزاب الصغيرة، على الحوثيين وعلى المجلس الانفصالي وعلى القوى التابعة لأنصار الرئيس السابق علي صالح، والتي تعرف بحراس الجمهورية بقيادة طارق صالح.

وانتصار هادي والإصلاح وفقا للظروف الحالية يبدو غير ممكن لأكثر من سبب أهمها: افتقارهم للقدرات الذاتية التي تمكنهم من هزيمة الرافضين للدولة الاتحادية، وغياب حماس السعودية، ورفض الإمارات تمكين حزب الإصلاح من الوسائل التي تؤهله للانتصار على القوى المذكورة.

إضافة إلى ذلك؛ تثار شكوك كبيرة حول قدرة حزب الإصلاح السياسية والعسكرية على تحقيق انتصارات عسكرية على الحوثيين، بالقياس إلى أدائه خلال الخمس سنوات الماضية وإنجازاته العسكرية المتواضعة والتي خسر بعضها في الأشهر الأخيرة.

ولهذا كله فإن سيناريو الدولة الاتحادية تعترضه عقبات كبيرة ويبدو بعيد الاحتمال في المستقبل المنظور على الأقل.

سيناريو الدولة المركزية:

رغم أن الوضع القانوني للنظام السياسي في اليمن لا زال دولة مركزية بسيطة؛ إلا أن هذا الخيار لم يعد يُـطرح بشكل علني ومباشر من جميع القوى السياسية بما في ذلك الحوثيين، وأنصار الرئيس السابق صالح، فالحوثيون يتجنبون عن عمد طرح مشروع الدولة المركزية لأنهم يريدون توصيل رسالة للنخب الجنوبية بأنهم غير مهتمين بالجنوب، وهو ما يجعل الجنوبيين بمن فيهم هادي والمجلس الانفصالي غير حريصين على هزيمتهم، كما سبق وذكرنا.

 ولهذا فإن الحوثيين وإن كانوا ينتقدون الدولة الاتحادية بصيغة الأقاليم الستة؛ إلا أنهم لا يصرحون بأن البديل هو الدولة المركزية الواحدة. وأما أنصار الرئيس السابق صالح والذي يمثلهم على الأرض (طارق صالح) قائد ما يسمى بالقوات المشتركة وحراس الجمهورية المتواجد في الساحل الغربي؛ فإنه وفريقه لا يمكنهم أن يرددوا مواقف الرئيس السابق صالح الرافضة للدولة الاتحادية.

ويرجع السبب في ذلك إلى وضعهم الحالي الذي لا يسمح لهم بذلك؛ فطارق وقواته تم تشكيلها من قبل الإمارات، وكانت مدينة عدن هي المكان التي تم فيه تشكيل نواة هذه القوات، كما أن معظم أفراد القوات التي تعرف بالعمالقة والمنضوية ضمن القوات المشتركة، التي يتزعمها طارق، ينتمون للمناطق الجنوبية. وكل ذلك يشير إلى علاقات تعاون بين قوات طارق وبين القوى الانفصالية برعاية إماراتية، ولهذه الأسباب لا يمكن لطارق صالح أن يعلن عن مواقف مشابهة لمواقف الرئيس السابق. لأنه في ذلك سيعادي الانفصاليين، ومموليه الإماراتيين. وعلى العكس من ذلك؛ هناك تأييد واضح من قبل الفريق الإعلامي التابع لطارق صالح والمدعوم من قبل الإمارات للمجلس الانتقالي وللمشروع الانفصالي بشكل عام.

ويتطلب تحقق سيناريو الدولة المركزية مشروع سياسي على غرار مشروع (مصطفى أتاتورك) في نهاية الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى ومشروع (الجنرال فرانكو) في أسبانيا خلال الحرب الأهلية الأسبانية في ثلاثينات القرن العشرين.

ومشروع من هذا القبيل سيصطدم بمعظم القوى السياسية اليمنية، وبالدول المهيمنة على اليمن كالسعودية والإمارات، وإيران. خاصة وأن هذا المشروع لا بد أن تكون بوصلته باتجاه دولة يمنية قوية كاملة السيادة.

ولهذا فإن هذا المشروع يبدو بعيد التحقق في المستقبل المنظور رغم أنه قد يكون هو المشروع الوحيد القادر عمليا على إعادة الدولة اليمنية كدولة حقيقية ذات سيادة، حيث أن ظروف اليمن الحالية ومواردها الشحيحة وانكشافها أمام العالم الخارجي لا ينفعها إلا حكومة مركزية قوية ذات مشروع وطني بملامح وطنية متشددة، كما حدث في الدول التي تم توحيد مكوناتها أو منعها من الانهيار، والاحتلال الخارجي.

وهناك فرصة لتحقق هذا السيناريو في حال اقتنعت الدول التي يهمها استقرار اليمن بدعم مشروع كهذا، والذي قد تكون السعودية إحدى هذه الدول، حيث أن هذا المشروع يمنح السعودية فرصة الخروج من دوامة الحرب في اليمن، عبر دعم سلطة مركزية تقوم بهزيمة القوى الحالية أو احتوائها في مشروع وطني يتجاوز مشاريعها الصغيرة، ويخلق الاستقرار الضروري في هذه الدولة.

سيناريوهات الفوضى

يمكن الإشارة إلى نوعين من سيناريوهات الفوضى؛ الأول فوضى منضبطة إن جاز التعبير، والثاني فوضى منفلتة. 

        سيناريو الفوضى المنضبطة:

هناك مثل دارج في اليمن يقول بإن الجنان يحتاج قليل من العقل، وهو ما يعني بإن أي شيء مهما بلغ من الفوضى فإنه يتطلب قدرا ما من النظام. ولهذا فإن توصيف الفوضى بالانضباط لا يحمل حالة من الغرابة أو التناقض أو اللعب بالكلمات بقدر ما يعني توصيف لحالة سياسية اجتماعية محددة الملامح والصفات.

والفوضى المنضبطة ليس لها علاقة، ولا يمكن الخلط بينها وبين مصطلح الفوضى الخلاقة، وهو المصطلح الذي راج بعد غزو العراق عام 2003؛ فالفوضى الخلاقة هي نظرية أو أفكار سياسية تدعي بأن بعض أنواع الفوضى قد تكون ضرورية ومفيدة لخلق واقع أفضل، بمعنى أخر الفوضى الخلاقة هي مرحلة انتقالية بين عهدين: نظام مستقر سيئ، يتم الإطاحة به، ونظام من الاستقرار والازدهار يتم التخطيط لبنائه خلال مرحلة الفوضى الخلاقة.

أما سيناريو الفوضى المنضبطة الذي نحن بصدد استعراضه هنا؛ فإنه لا يعد بمستقبل أفضل أو أسوأ، وإنما هو توصيف لوضع من الفوضى أقل سوءا من فوضى أخرى أسميناها بالفوضى المنفلتة.

وسيناريو الفوضى المنضبطة في اليمن ما هو إلا امتداد للوضع الحالي وشبيه به؛ فاليمن رغم كل مآسيها وكوارثها الناتجة عن الحرب الحالية ما زالت الأوضاع فيها تحت السيطرة وتحكمها قواعد لعبة متفق على خطوطها العامة من أطراف الصراع بشكل ضمني، ولم تصل حد الفوضى الشاملة التي لا تقيدها حدود أخلاقية أو أعراف والتزامات.

فعلى الرغم من أن الحرب شهدت قصف جوي وبري لمناطق مدنية، نتج عنها قتل آلاف المدنيين، وتحديدا من النساء والأطفال، وساهمت بشكل مباشر أو غير مباشر في وفاة عشرات الألوف وربما مئات الألوف، وفقا لبعض التقديرات، نتيجة انتشار الفقر وسوء التغذية وانتشار الأوبئة، ونقص الخدمات وبالذات الخدمات الصحية الضرورية، وعدم تمكن الكثيرين من السفر للخارج للحصول على العلاج غير المتوفر في اليمن (5). ونزوح أكثر من أربعة ملايين شخص تركوا منازلهم، وهجرة مئات الألوف إلى خارج اليمن، وزيادة معاناة اليمنيين في جميع المجالات.

على الرغم من كل ذلك؛ إلا أن الأوضاع تبقى أقل سوءا بكثير مما كان متوقعا بالقياس إلى حجم السكان، وطول فترة الحرب، وطاقة العنف الهائلة التي تختزنها اليمن المتمثلة بانتشار السلاح الكثيف في البلاد قبل الحرب، والذي قدرته بعض المصادر المتحفظة، بأكثر من 10 مليون قطعة سلاح، وكميات الأسلحة الهائلة التي وصلت إلى الأطراف المتحاربة من الخارج بعد الحرب (6).

كما أن الحرب، حتى الآن، لم تتحول إلى حرب طائفية أو جهوية خالصة، وهو الأمر الذي منع عمليات التصفية الجماعية على أسس جهوية أو طائفية أو سياسية، وبالتحديد لغير المحاربين من الأطفال والنساء وكبار السن، والحوادث التي تمت في هذا المجال كانت محدودة جدا ولاقت إدانات واسعة، وتبرأ منها الجميع ونسبت لمجهولين في الغالب.  

كما أن الحرب لم تصل إلى حد القيام بعمليات اغتصاب جماعي لنساء المتحاربين، فبحسب علمي؛ لم تحدث أي عملية حتى الآن من هذا القبيل. إضافة إلى ذلك؛ لم يحدث دمار واسع للمناطق السكنية. وكانت عمليات الدمار للمساكن والمنشآت مقتصرة في الغالب على مناطق المواجهات، والأهداف التي كانت تضربها الطائرات بصفتها أهدافا عسكرية.

إلى جانب ذلك؛ لم ينتج عن الحرب حالات واسعة من عمليات التطهير السكاني على أسس دينية أو جهوية أو سياسية، فجميع مناطق اليمن، تقريبا، وبالذات المدن الكبيرة، لا تزال تضم خليطا من السكان ذوي الخلفيات المذهبية والجهوية والسياسية المتعددة، وحتى عمليات الطرد التي استهدفت بعض الأفراد لخلفيتهم الجهوية لم تكن واسعة ولا دائمة ولاقت استنكار وإدانة مجتمعية كبيرة.

بالإضافة إلى ما ذكرنا لم تسفر الحرب عن مجاعات كبيرة، فبؤر المجاعات التي لاحت في بعض الأحيان، تمت محاصرتها ولم تنتشر على نطاق واسع، رغم انتشار حالات سوء التغذية وارتفاع نسبة الفقر الشديد. 

وهناك أسباب كثيرة ساهمت في التقليل من مآسي الحرب يمكن الإشارة إلى أهمها فيما يلي:

●          التجانس الاجتماعي الثقافي العالي بين اليمنيين، حيث لا وجود لانقسامات حقيقية دينية أو عرقية، فجميع السكان يدينون بالإسلام، وينحدرون من مكون عرقي ولغوي واحد، والاختلافات المذهبية حتى الآن لم تصل حد الانقسام الحاد كما حدث في العراق أو سوريا. وما يؤكد حالة التجانس، التعايش السكاني الذي لا يزال قائما في التجمعات السكانية، كما ذكرنا، وتوزع المتحاربين من شتى الخلفيات الجهوية والقبلية على أطراف الحرب. 

●          بحكم أن أطراف الحرب تتشكل من جماعة الحوثيين، والتي سيطرت على مؤسسات الدولة من جهة، والقوى المعارضة لها من جهة أخرى، وهي القوى التي تعمل تحت مظلة الحكومة الشرعية، أو تلك التي أنشأتها السعودية أو الإمارات، وقوات هاتين الدولتين وبالتحديد الطائرات الحربية، بحكم ذلك؛ ظلت الحرب إلى حد كبير منضبطة ومراعية للقانون الإنساني الدولي، رغم حدوث عمليات قصف جوي وبري صنفتها بعض الجهات بجرائم الحرب. فالحوثيون بحكم سيطرتهم على مؤسسات الدولة ورغبتهم في الحكم تجنبوا إلى حد كبير القصف العشوائي للمناطق السكانية، أو قتل الأسرى وغيرها من الانتهاكات الواسعة للقوانين الدولية والأعراف المحلية، رغم حدوث عدد من التجاوزات.

في المقابل؛ حرصت السعودية والإمارات على أن لا تتجاوز القانون الإنساني الدولي لا من قبلها ولا من قبل القوات المحلية التي تعتبر مسؤولة عنها. خاصة في السنين الأخيرة بعد الانتقادات الواسعة من قبل الدول الكبرى والمنظمات الحقوقية، للقصف الجوي الذي أوقع قتلى بين المدنيين، وفرض بعض الدول حظرا على توريد الأسلحة أو التهديد بفرضه.

●          رغم اهتراء وضعف السلطة الشرعية؛ إلا أن وجودها الباهت ساهم في استمرار تقديم الخدمات الأساسية وعمل بعض المؤسسات في المناطق الخاضعة لسيطرتها الاسمية، واستمر دفع رواتب جزء من الموظفين، وبقاء التمثيل الرسمي لليمن في الخارج.

●          كون اثنتان من دول الخليج الغنية تشاركان في الحرب؛ فقد ساهم ذلك في منع الاقتصاد اليمني من الانهيار التام، وبالتحديد انهيار العملة، وإن أدت الحرب إلى فقدان جزء كبير من قيمتها، إلا أنها لم تنهار. فدول الخليج وتحديدا السعودية والإمارات ضخت أموالا في مشاريع البنية التحتية أو برامج الإغاثة أو الخدمات الأساسية بشكل مباشر أو غير مباشر عبر المنظمات الدولية العاملة في اليمن. وتشكل مساهمة هاتين الدولتين ودولة الكويت بما يزيد عن نصف المساعدات التي طلبتها الأمم المتحدة في السنوات الأخيرة. وقد حالت عمليات الدعم تلك دون وقوع مجاعات واسعة في اليمن وأبقت جزءا مهما من الخدمات الأساسية قائما.

●          رغم أن الولايات المتحدة، ودول أخرى كانت تصنف تنظيم القاعدة قبل الحرب في اليمن، بأنه أخطر فروع التنظيم في العالم، إلا أن نشاط التنظيم خلال فترة الحرب لم يظهر بالشكل الذي كان متوقعا؛ فالسيطرة المحدودة للتنظيم على بعض المناطق وتحديدا مدينة المكلا وجزء من ساحل حضرموت، وبعض مناطق محافظتي أبين، وشبوة، والبيضاء، في بداية الحرب تم إنهاؤها. كما أن نشاط التنظيم تراجع بشكل عام خلال فترة الحرب، وكان دور التنظيم محدودا في المعارك الكبيرة، كما أن تنظيم داعش الذي ظهر فجأة في اليمن عشية الحرب وفي بدايتها تراجعت عملياته بشكل كبير في السنوات اللاحقة.

ويرجع السبب في ذلك إلى تحمل ما سمي بدول التحالف وبالتحديد السعودية والإمارات مسئولية الحرب ضد الحوثيين بشكل مباشر أو عبر وكلائهم المحليين. وهو الأمر الذي أدى إلى عدم تصدر التنظيمات الإرهابية مشهد قتال الحوثيين، كما حدث قبل الحرب، وانضوائهم تحت مظلة بعض القوى. وملاحقتهم الفعلية والضمنية من قبل دولتي التحالف ومن ورائهم الولايات المتحدة. ولتلك الأسباب لم يتكرر السيناريو العراقي والسوري في اليمن حتى الآن.  

ونتيجة لما ذكرنا فإن الحرب بكل مساوئها لم تخرج عن السيطرة، وأسفرت حتى الآن عن حالة من الفوضى المنضبطة، إن صح التعبير. ومن ثم؛ فإن بقاء المعطيات الراهنة على حالها؛ تعني تحقق هذا السيناريو لليمن في المستقبل القريب على الأقل، وهو ما يعني استمرار الأوضاع الحالية بنفس الوتيرة تقريبا.

وما يجعل هذا السيناريو مرجحا ضعف الأطراف المتصارعة من حسم الحرب لصالح أحدها، وعدم إمكانية تصالحها ضمن تسوية، للأسباب التي ذكرناها سابقا، ومن ثم استمرار حالة الحرب والفوضى والانقسام الحالية، مع تغييرات طفيفة في خرائط الحرب والسيطرة دون الحسم الشامل لأي طرف ومن ثم تحقيق أي من سيناريوهات الاستقرار.

سيناريو الفوضى المنفلتة:

يقوم هذا السيناريو على أساس أن الحرب بمساوئها الكبيرة لم تكن بذاك السوء، وأن الأسوأ قادم على جميع الأصعدة العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

ووفقا لهذا السيناريو، فإن العنف المباشر بين المتحاربين سيزداد حجمه من خلال استخدام أسلحة أكثر فتكا وتدميرا، وبأن الأطراف المتحاربة ستخرق القوانين الدولية والأعراف المحلية في قتالها، وبأن المدنيين سيتعرضون للهجمات المباشرة وغير المباشرة. وستتم عمليات تهجير قسري لأعداد كبيرة من السكان على خلفية انتماءاتهم الجغرافية أو المذهبية أو القبلية أو السياسية. وستدخل إلى حلبة الصراع الجماعات المتطرفة على غرار داعش والقاعدة، وستصبح هذه الجماعات أحد أطراف الحرب الرئيسية، وهو ما سيؤدي إلى عمليات قتل واسعة على غرار ما حدث في سوريا والعراق.

 إضافة إلى ذلك، ستحدث مجاعات واسعة، وانهيار للعملة المحلية وتتراجع الخدمات الأساسية ويُـحرم معظم موظفي الحكومة من رواتبهم، ويسرح أعداد هائلة من العمال، ويلحق الدمار بالكثير من المنشئات العامة والخاصة، وستقام حدود صارمة داخل الدولة تمنع حركة الأفراد والبضائع.

ويتطلب تحقق هذا السيناريو حدوث تغييرات جذرية في المشهد المحلي والإقليمي من قبيل:

●          فشل سيناريو التسوية السياسية، بعد فترة من العمل على تنفيذه، فسيناريو التسوية الذي أشرنا له سيعمل على تغيير المشهد العام للصراع، وهو ما سيؤدي إلى تغير في موازين القوى ودخول أطراف جديدة وخروج أطراف حالية.

ولتبسيط الصورة يمكن تخيل ما سيحدث فيما يلي:

1.         يتم وقف لإطلاق النار، وتهدأ الجبهات نسبيا، وتُعقد مفاوضات بين الأطراف الرئيسية، وتنجح هذه الأطراف تحت الضغط الدبلوماسي والسياسي والتهديد بفرض العقوبات، بالتوصل لاتفاقية لإنهاء الحرب، وتشكيل حكومة مشتركة من الأطراف الرئيسية، وتعلن السعودية حل التحالف وتوقف تدخلها العسكري، ويرفع الحصار البحري وتفتح الأجواء اليمنية، وتلغى سلطة هادي أو يتم نقل كل صلاحياته لنائب توافقي، أو رئيس حكومة.

2.         حين تنفيذ الاتفاقية تظهر العقبات الموضوعية، وتدخل الأطراف المتصارعة في جدل عقيم حول أي من البنود لها الأولوية، من قبل تشكيل السلطة الجديدة أم نزع أسلحة المقاتلين ومن يسيطر على العاصمة وغيرها من التفاصيل المتوقعة والتي تعني انهيار الاتفاق بشكل كامل، وسيكون المسئول والمستفيد من انهياره، الطرف أو الأطراف التي لها قوة ونفوذ على الأرض. ووفقا لخارطة الصراع الحالية؛ فإن الحوثيين هم أكثر الأطراف التي من مصلحتها إفشال هذا الاتفاق، كون الظروف قد أصبحت في صالحهم. ومن المتوقع بعد انهيار الاتفاق أن يقوم الحوثيون، وربما غيرهم، بمحاولة السيطرة على مناطق جديدة خاصة وأن السعودية لم يعد من حقها تقديم الغطاء الجوي بعد انتهاء التحالف، وتدخلها الرسمي في اليمن، ولن يكون بمقدورها حينها إعادة العمل بالضربات الجوية، كونها لم تعد تملك الغطاء الشرعي، والحكومة الشرعية، تكون قد انتهت، أو عاجزة عن الاتفاق.

وحينها ستكون الحرب بين قوى محلية صرفة دون أن تتمتع إحداها بصفة الحكومة الشرعية. ولأن الصراع سيكون وجوديا وصفريا؛ فإن من المتوقع أن يكون ضاريا وسيتم استخدام أسلحة أكثر فتكا وتدميرا ولا يُستبعد أن تُستخدم الطائرات والبراميل المتفجرة على الطريقة السورية، بعد أن ينهي التحالف سيطرته الرسمية على الأجواء اليمنية، وبعد أن تقدم إيران، وربما دول أخرى الطائرات والأسلحة الفتاكة لأطراف النزاع لحسم الحرب لصالح هذا الطرف أو ذاك.

●          اشتعال الحرب، وفق هذا السيناريو، لن يكون بين الحوثيين وخصومهم فقط، فهناك احتمال قوي بأن تشتعل الحرب في مناطق أخرى. حيث ستحاول بعض الأطراف مد سلطاتها في بعض المناطق، وفي هذا الصدد؛ من المتوقع، أن تقع حرب في محافظة تعز بين السلفيين والمؤتمريين والناصريين وغيرهم، مع حزب الإصلاح للسيطرة على هذه المحافظة، مدعومين من قوى خارجية كالإمارات، والتي قد تعود بقوة لدعم بعض الأطراف ضد أطراف أخرى دون أن تتحمل المسئولية عن تصرفاتهم، لأنها لم تعد طرفا في الحرب كما كانت.

وفي الجنوب سيحدث نزاع دموي عنيف بخلفيات جهوية وحزبية، فالمجلس الانتقالي سيحاول أن يسيطر على بقية مناطق الجنوب وهو ما يجعله يصطدم بخصومه الجهويين في محافظات أبين وشبوة وربما حضرموت والمهرة، وخصومه السياسيين كحزب الإصلاح.

●          تنظيم القاعدة وداعش سيبرزان في بعض المناطق في مواجهة الحوثيين والمجلس الانتقالي في الجنوب، أكان ذلك بشكل منفرد أو بالتحالف مع جماعات أخرى كحزب الإصلاح أو السلفيين أو غيرهم، فمناخ الصراع سيكون مواتيا لهم أفضل من الوضع الحالي. كما أن من المتوقع أن تدعم بعض الدول بشكل مباشر أو غير مباشر هذه التنظيمات لمحاربة الحوثيين أو أطراف أخرى.

 

●          من الطبيعي وفق هذا السيناريو أن تكون الحرب، أكثر دموية والأطراف المتحاربة أقل التزاما بقوانين الحرب، وبالأعراف القبلية والاجتماعية؛ لأنهم لن يكونوا حينها محكومون بجهات تخشى العقوبة واللوم والمسائلة، وبالطبع ستكون الجماعات الإرهابية هي أكثر الأطراف التي يتوقع أن تمارس هذه الأعمال، وهو الأمر الذي سيخلق ردود أفعال من أطراف أخرى والدخول في دائرة عنف بشعة من الفعل ورد الفعل، على غرار ما حدث في سوريا والعراق، والجزائر.

 

●          ومن المتوقع في مناخ صراع كهذا أن تتخذ الحرب طابع مذهبي وجهوي وقبلي وسلالي، وهو ما سيؤدي إلى عمليات تطهير سكاني كبير.

 

●          سيكون الاقتصاد هو الضحية الأكبر لحالة الحرب هذه؛ فالعملة المحلية ستنهار، ولن تجد من ينقذها، فالسعودية التي تدخلت لإنقاذها في السابق، (7) لن تعد ملزمة أو مهتمة لتقوم بهذا الأمر، كما أن المنشآت الحيوية، وبالذات التي تدر أموالا كمنشآت النفط والغاز والموانئ والمطارات قد تتعرض للدمار أو التعطيل من قبل الأطراف المتحاربة.

ونتيجة لذلك من المتوقع أن تنتشر المجاعة بشكل واسع بعد أن تتوقف الكثير من برامج الدعم والإغاثة نتيجة توقف السعودية والإمارات عن دعم عمليات الإغاثة بعد أن يخرجا من الحرب وتنتهي مسئوليتهم عنها. كما أن من المتوقع أن تقلل الدول الكبرى مساعداتها لليمن لأسباب كثيرة أهمها عدم اهتمامها باليمن والذي كان في جزء منه اشتراك السعودية والإمارات في الحرب، والذي كان يُحمل تلك الدول جزء من مسئولية الحرب كونها كانت من الداعمين لهم بالسلاح.

●          خروج السعودية من الحرب بشكل رسمي سيؤدي إلى تراجع الاهتمام الإعلامي الخارجي باليمن، والذي كان مرده اشتراك السعودية، وعدم الاهتمام الخارجي بالحرب في اليمن سيجعلها حربا منسية وعديمة الأهمية على غرار الحرب في الصومال وجنوب السودان وجمهورية السودان، وهي حروب محلية لا يهتم بها صانع القرار الغربي أو وسائل الإعلام الغربية. ولهذا فإن البؤس سيتفاقم وفق هذا السيناريو دون أن يجد إهتمام كافي.

●          كما أن غياب حكومة شرعية يعترف بها العالم سيؤدي إلى غياب التمثيل الخارجي لليمن وتنازع الأطراف الداخلية بأحقية تمثيل اليمن في الخارج.

●          ومن المتوقع أن يحدث هذا السيناريو في حال تحقق سيناريو الانفصال أو الانتصار الحوثي، فخروج السعودية من المشهد بشكل رسمي، سيكون بمثابة إطلاق الشرارة لحرب غير منضبطة.

من المحبط للكثيرين أن يكون سيناريو التسوية الذي يعول عليه دعاة السلام في اليمن، هو السبب الرئيس في تحقق سيناريو الفوضى المنفلتة.  

 

الخاتمة

يتضح بعد استعراض السيناريوهات السابقة بأن مستقبل اليمن غامضا وخطيرا. فجميع السيناريوهات التي قد تؤدي إلى شكل من أشكال الاستقرار النسبي، لا تبدو قابلة للتحقق ويبقى السيناريو الأكثر رجحانا هو سيناريو الفوضى المنضبطة. 

ورغم أن هذا السيناريو يبدو دون أفق وغير محتمل بقاؤه إلى ما لا نهاية، إلا أن التاريخ يحدثنا بأن هناك دول ومجتمعات استمر الصراع في داخلها دون حسم أو نتيجة واضحة لفترات طويلة، كما هو الحال في الصومال؛ فمنذ 30 سنة تقريبا انهارت الدولة هناك، وحتى الآن لم تستعاد ولم يحدث انفصال قانوني ورسمي للمناطق التي هي عمليا مستقلة عن الدولة الأم. ورغم أن موقع اليمن وكبر حجمه وكثرة عدد سكانه تجعله مختلفا عن الصومال نسبيا إلا أن ليس في الأفق ما يشير إلى أن هذا البلد سيخرج من دوامة الانقسام والفوضى، دون خطط واضحة، أو تغيرات كبيرة تطال المشهد المحلي أو الخارجي.

 إن الصورة الكئيبة للمشهد اليمني لا ينبغي أن تكون مصدرا للإحباط والاستسلام بل حافزا لليمنيين للبحث عن مخارج حقيقية تؤدي إلى استعادة بلادهم. ولا بد أن تكون هذه المخارج بعيدة عن الأطروحات غير الواقعية التي سادت بعد 2011، من قبيل الفدرالية، أو المشاريع الدينية الرجعية التي تجاوزها الزمن كالمشروع الحوثي، ولا للمشاريع الجهوية الضيقة التي تريد أن تُفصِّل لها كيانات صغيرة تتناسب وأحلاما المتوهمة.

إن حالة التيه التي يعيشها اليمن الآن، وفي الماضي القريب، هي حصيلة جمع للمشاريع المذكورة، والتي كانت عبارة عن مشاريع لحالمين أو طامعين، فيما المشاريع الواقعية لم تجد من يلتفت لها، وكانت مرفوضة من بعد عام 2011. والتي كانت ترى بأن الوضع اليمني الهش، سياسيا، واقتصاديا، والانكشاف الواسع أمام العالم الخارجي، والضعف الشديد للمؤسسات التي كانت قائمة حينذاك، كلها عوامل لم تكن تساعد على إحداث تغيرات جذرية في بنية الدولة ونظامها السياسي. وكان المفروض إدخال إصلاحات مدروسة ومعقولة في النظام السياسي القائم، تحد من الفساد الواسع وسوء الإدارة، واحتكار الثروة والسلطة لأقليات حزبية أو جهوية أو قبلية. مع المحافظة على الشكل البسيط للدولة لأنه الشكل الأنسب لدولة في هذا الطور، والتي تحتاج إلى سلطة مركزية ترسخ حكم القانون وتقوي من المؤسسات العامة وتستطيع استغلال الموارد، والوقوف أمام التدخلات الخارجية.

وبما أن الأمر على هذا الحال؛ فإن الحل الواقعي لعودة الاستقرار لليمن، في حدوده الدنيا، لن يكون إلا بمشروع دولة مركزية تحتوي، بالقوة والسياسة، المشاريع التمزيقية، والمشاريع الدينية معا. وتقف أمام التدخلات الخارجية الضارة، والتي تريد أن تستخدم اليمن لتضرب بها خصومها، أو منطقة لتنفيذ أحلام بعض الحكام.

كما أن الحالة السيئة لليمن ينبغي أن تكون حافزا للدول المجاورة وتحديدا السعودية ودول الخليج الأخرى لأن تساعده في العودة ليكون دولة طبيعية، ضمن هذه المنطقة، لأن اليمن هو مجالها الحيوي وعمقها الإستراتيجي. فتجربة الماضي، وبالذات في فترة ما قبل الحرب، أكدت لهذه الدول أن إهمال اليمن سيؤدي إلى استغلاله من قبل قوى لها أحلام إمبراطورية كإيران لتستخدمه معول هدم لهذه الدول.

كما أن تجربة الحرب أثبتت للدول الخليجية أن اليمين أكبر من أن يكون عجينة صلصال بيدها تشكله كيفما شاءت، فهذا البلد الذي يتضاعف سكانه كل 22 سنة ويمتلك تراثا تاريخيا عميقا لم تستطع السيطرة عليه إمبراطوريات ضخمة، فكيف بدول صغيرة لا تمتلك سوى فائض أموال. والعكس هو الصحيح إذ أن اليمن المضطرب هو أشبه بثقب أسود لدول الخليج، يمكن أن يبتلع هذه الدول ويفككها في حال بقائه دون دولة لفترة طويلة. ولهذا فمن مصلحة الدول الخليجية وبخاصة السعودية أن تقوم بمراجعة جذرية لسياستها في اليمن ولما تخطط له، وتدعم سلطة فعلية ذات مشروع وطني حقيقي، قادرة على السيطرة على كل اليمن، بدلا من السلطة المهترئة الساكنة فنادقها.

مراجع:

1.         أبرز جولات المفاوضات والمشاورات اليمنية التي حصلت منذ بداية الحرب عام 2015، قناة المنار، 6 ديسمبر/كانون الثاني 2018 (تاريخ الزيارة 11 أبريل/نيسان 2020): http://almanar.com.lb/4597991

2.         فشل تنفيذ «اتفاق الرياض»: عودة التجاذب بين «الحلفاء» الأخبار 11 فبراير/شباط 2020 (تاريخ الزيارة 8 أبريل/نيسان 2020) : https://al-akhbar.com/Yemen/283967

3.         اتهمت الحكومة اليمنية إيران بدعم علي سالم البيض نائب الرئيس اليمني الأسبق، والذي حاول انفصال الجنوب في 1994، من خلال توفير الضاحية الجنوبية في العاصمة اللبنانية، مقرا للحركة الانفصالية ونشاطاتها. من الاستقطاب إلى الانقلاب .. هكذا احتضنت إيران مشروع الانفصال منذ 94 (موثق)، الثورة نت 20 يوليو/تموز 2019 (تاريخ الزيارة 12 أبريل/نيسان 2020): https://althawra-news.net/news108623.html

4.         الدور الخارجي في حرب 1994، مدونة عبدالناصر المودع 14 اكتوبر/تشرين أول 2014 (تاريخ الزيارة 14 أبريل/نيسان 2020):  http://almuwadea.blogspot.com/2014/10/1994-2001.html

5.           الأمم المتحدة: مصرع أكثر من 250 ألف شخص في حرب اليمن، وكالة الأناضول 23 أبريل/نيسان 2020، (تاريخ الزيارة 8 أبريل/نيسان 2020): https://www.aa.com.tr/ar/%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9/-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%85%D9%85-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AA%D8%AD%D8%AF%D8%A9-%D9%85%D8%B5%D8%B1%D8%B9-%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%85%D9%86-250-%D8%A3%D9%84%D9%81-%D8%B4%D8%AE%D8%B5-%D9%81%D9%8A-%D8%AD%D8%B1%D8%A8-%D8%A7%D9%84%D9%8A%D9%85%D9%86/1460980

6.         ربع الشعب النيوزيلندي يمتلك أسلحة، وبلد عربي بالمركز الثالث.. أكثر دول العالم التي يمتلك سكانها السلاح، عربي بوست، 18 مارس/آذار 2019، (تاريخ الزيارة 9 أبريل/نيسان 2020): https://arabicpost.net/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/world/2019/03/18/%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D8%AF%D9%88%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%84%D8%A7%D8%AD/

7.         السعودية تسلم اليمن وديعة ب2 مليار دولار، عمون نيوز، 16 مارس/أذار 2018 (تاريخ الزيارة (13 أبريل/نيسان 2020): https://www.ammonnews.net/article/361512