محمد دبوان المياحي
النهد كعنوان للهوية الروحية للأنثى
الأحد 13 ديسمبر 2020 الساعة 08:46

من بين كل مفاتن النساء الحسيّة يتجلى النهد كعنوان للهوية الروحية، أظنه العضو الوحيد الذي يكتنز على بعد روحي، تل صوفي يختزن أسرار الأنوثة، أشبه بقمة جبل سيناء، نافذة الأنبياء العشاق؛ لتلقي نور الله ومعانقة وحي السماء. 
بنية الأنثى كلها فن، غير أن النهد هو النقطة التي بلغ فيها الفنان ذروة عبقريته، لحظه اكتمال الكمال، قطعة من جسد؛ لكنه يُفصح عن جوهر متجاوز للمادة..لحظة تقاطع الحسي بالمعنوى وتلاشي الانفصام بين الروح والجسد. 

هو أول الأشياء التي تُلامسها حواسك، دليلك لاكتشاف الوجود، وتلمُّس الحقيقة وما زالت عيناك مغمضة، مصباحك في عمى الطفولة ورفيق دربك في الكِبَر. النهد شراب السماء الأول للمخلوق؛ كي يقوى على الوصول ويبصر الطريق، لولاه لانطفأت الروح في مهدها الأول..لولاه ما اشتد عودك واكتمل، لولاه لخارت قوى الإنسان شبابًا كان أو قد اكتهل. 

حنينك للنهد، هو حنين للبدايات، شوق للعودة نحو النبع، رغبة بالتطهر من خطايا الحياة واستعادة حس الطفولة فيك، يمكننا التشكيك بنزوات كثيرة للإنسان، باستثناء عطشه للنهد، تلك نزوة برئية، ظمأ أصيل ونداء يصعد من أعماق الحواس ويكشف عن سلامة النفس. 

النهد: حتى ايقاع الكلمة في أذنك يحمل دلالة روحية، أثر يسمو بالنفس، هذا الهواء الذي يخرج من فمك حين تنطق الكلمة، يكشف جوهر المعنى، لكأن حاجتك له، كحاجتك للهواء، عنصر أساسي لبقاءك حيًّا، وكل عيش بدونه، يُحيلك جثة، يختنق وجودك، ويغدو عيشك عبء عليك. 

أكرر نطق الكلمة، كما لو أنها تعويذة سحرية تطرد الشرور، تنهيدة تخفف الكربة، مجاز كثيف لا يتفتق معناه في روحك ما لم تكرره مطولًا، دعاء تبتهل به للسماء، وتعبير تزيل به صدأ النفس، تخترق الحجب بينك وبين روحك المعتمة. ما كان اسم النهد يومًا فضيحة ولا كان نطقه خادشًا للحياء، لطيف كشكله وشفاف كماءه المقطر. 

يقال أن الأشياء الحميمية يتوجب أن تظل محاطة بالسرية؛ كي تحتفظ بقدرتها على الغواية، وكلما تعرضت للهتك، تنخفض طاقة الايحاء فيها. 
الأمر لا علاقة له بالأخلاق؛ بل بطبيعة النفس البشرية، بين ما ترغب به وما تحتاجه، ما يجب أن يُكشف لها وما يتوجب حجبه عنها.

هذا صحيح غير أنه لا يصح عندما يتعلق الأمر بالنهد، هو جوهر الأشياء، مخزن متجدد للطاقة، مُفتتح الحكاية ومتنها وخاتمتها، لا يفقد بريقه محجوبًا كان أو منكشفًا، لا ترتوي النفس منه، قبل الشراب ولا بعده، لا تمله الحواس حتى وقد هدأت الغريزة، يظل توقك للنهد فائرًا كطفل لا يتخل عن صدر أمه، كتائه لا يتوقف عن التشبث بأي نافذة تضئ له الطريق، وكحائر يبحث عن دليل لأصل الوجود. 

#دروس_تأملية_في_عبقرية_الخالق
#البرد_لا_دين_له

* من صفحة الكاتب على فيسبوك